تعد اضطرابات النوم أحد أهم أعراض الاكتئاب النفسي الدالة عليه، ومؤشرا على استجابة المريض للأدوية والعلاج السلوكي في حال تحسنها، وفي الولايات المتحدة يصيب الأرق، بصفته أحد أكثر أنواع اضطرابات النوم انتشارا، واحدا من بين كل ثلاثة أشخاص خلال مراحل حياتهم، ويُعَد عرَضا مرضيّا يعاني منه معظم المصابين بالاكتئاب.
بداية ننبه إلى أن اضطرابات النوم الناتجة عن أسباب عضوية أو سلوكية، يمكن ـ في حد ذاتها ـ أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية نتيجة للحرمان المزمن من النوم الجيد، مما يسبب صعوبة التشخيص والعلاج في بعض الأحيان.
أعراض الاكتئاب
لا شك في أن الاكتئاب من الاضطرابات الخطيرة التي تتدخل في كيفية عمل وظائف الجسم والإحساس العاطفي والشعور بالذات، وطريقة تعاملنا مع المؤثرات واستجابتنا للمتغيرات من حولنا، وهو من الاضطرابات المنتشرة، حيث يصيب الاكتئاب قريبا من 14 مليون شخص في الولايات المتحدة كل عام، ويتعرض له واحد من بين كل 6 أفراد خلال فترة حياتهم.
والأعراض المزمنة التي يمكن أن يتعرض لها المصاب بالاكتئاب بصورة شبه يومية، نلخصها في عدة نقاط أساسية:
- الحزن الشديد، والشعور بالإحباط والعجز، وعدم الجدوى أو القيمة (من حياتهم).
- الإحساس الطاغي بالضجر والشعور الزائد بالتوتر.
- عدم الرغبة في المشاركة في المناسبات العائلية.
- فقدان الاستمتاع بالنشاطات الاجتماعية المختلفة.
- تغير الوزن الحاد سواء بالزيادة أو النقصان.
- صعوبة التركيز وضبابية التفكير.
- نوبات الغضب أو التوتر المفاجئة.
- التفكير في وضع نهاية للحياة.
وقد يتعرض كثير منا إلى بعض هذه الأعراض بصورة طفيفة ومؤقتة بين فترة وأخرى كما يحصل عند المعاناة من اضطرابات التأقلم، ولا يُعد ذلك اكتئابا بالضرورة، إلا أن التعامل طويل الأمد مع ضغط هذه الاضطرابات المزاجية، يجعل من الصعب على الفرد إدارة حياته الاجتماعية والعملية بصورة طبيعية.
علاقة النوم بالاكتئاب
وتؤدي هذه الأعراض بالنتيجة إلى زيادة القلق والتوتر العصبي، وصعوبة النوم بشكل تدريجي، وكثرة التململ في أثناء الليل، وبالتالي رداءة النوم، والحرمان من مرحلتيه العميقتين (المرحلة الثالثة والمرحلة الرابعة) بصفتهما المرحلتين الأهم في إعادة تأهيل الجسم واستعادة عافيته، مما ينعكس سلبا على نشاط الفرد الذهني في أثناء النهار، ويؤدي إلى خموله الجسدي والنفسي على حد سواء.
ويُعد أرق بداية النوم، والتنبه من النوم في وقت مبكر جدا، من أهم ما يتميز به الاكتئاب، إلا أن بعض المصابين بالاكتئاب ـ وبالعكس ـ يتعرضون إلى فرط النوم، لذا فغياب عرض الأرق لا يعني بالضرورة عدم الإصابة بالاكتئاب.
وفي خضم الصراع شبه اليومي مع اضطرابات المزاج، يعتاد الإنسان على بعض السلوكيات الخاطئة المصاحبة للنوم، مثل الخوف والقلق من عدم قدرته على النوم الهادئ، والإفراط في تناول المنبهات، واختلال مواعيد النوم والاستيقاظ.
إضافة إلى التدخين وكثرة التفكير ومتابعة الوقت عند الخلود للنوم، مما يزيد من إفراز هرمونات التوتر كالكورتيزون والأدرينالين، فيدخل الإنسان في حلقة مفرغة من التوتر والأرق المزمنين.
ولا شك أن سوء استخدام بعض الأدوية المتداولة، والتي تُصرف دون وصفة طبية بهدف التخلص من الأرق، كمضادات الهستامين أو الاحتقان، لا يساعد بالضرورة على النوم الجيد، بل يمكن أن يؤدي إلى التأرق خلال الليل، والخمول في أثناء النهار.
أن المعاناة من الأرق لا تعني دائما الإصابة بالاكتئاب، فأسباب الأرق متعددة والعوامل المحفزة عليه كثيرة يجب تشخيصها وعلاجها بدقة، فعلى سبيل المثال، يشكو كثير من المصابين بالربو الشُّعَبي، ومتلازمة الساقين غير المستقرة، وانقطاع التنفس في أثناء النوم ـ وهي أمراض عضوية ـ من الأرق المزمن ورداءة النوم.
وقد يلجأ الطبيب في بعض الأحيان إلى فحص وظيفة الغدة الدرقية، للتأكد من نشاطها وعلاج اختلال إفراز هرمونها المسمى «ثايروكسين» بسبب تأثيره المباشر على نشاط الجسم البدني والذهني ووظيفة النوم.
علاج الاكتئاب واضطرابات النوم
من المهم التعامل مع مريض الاكتئاب والأرق المصاحب له من الناحية العلاجية واعتماد العلاج على الطرق السلوكية والإرشادية بالدرجة الأولى، فقضاء الوقت المناسب مع المريض في مناقشة أعراض وطبيعة المرض، وإعطاؤه الفرصة للتعبير عن معاناته وسرد مشكلاته الشخصية، وحثه على التفكير الإيجابي بدلا من السلبي، وتوجيهه إلى سلوكيات النوم الصحية، له أكبر الأثر في التحكم في أعراض الاكتئاب والأرق، والتخفيف من آثاره، والمساعدة على تجنب نوبات الاكتئاب اللاحقة.
ومن بين علاجات الاكتئاب المختلفة، تُعد مثبطات امتصاص السيروتينين الانتقائية والتي تُعرف اختصارا بالاسم العلمي «SSRI» ومن أمثلتها (Fluoxitine, Citalopram) من أنجع الأدوية وأكثرها استعمالا.
وتعمل هذه الأدوية على تحسن المزاج والتخفيف من الشعور بالحزن واليأس والقلق، وتحفيز النشاط الذهني والبدني، وبالتالي علاج الأرق، إلا أنه في بعض الأحيان يُضطر الطبيب إلى وصف أدوية مهدئة ومنومة كعائلة من محفزات البنزودايازيبين (Benzodiazepines)، للمساعدة على النوم الهادئ وعلاج التوتر ولو بصورة مؤقتة.
ويمكن أن يختار الطبيب وصف دواء ميرتازابين (Mirtazapine)، لأثره في علاج الاكتئاب والتحفيز على النوم في آن واحد، إلا أن هذا الدواء يزيد الوزن كأثر جانبي، بشكل أكبر، مقارنة بغيره من مضادات الاكتئاب الأخرى، مما يسبب رفض بعض المرضى الاستمرار في تناوله، أما بالنسبة إلى علاجات الأرق الحديثة، فيمكن لشبيهات البنزودايازيبين (Non-Benzodiazepine Receptor Agonists) مثل دواء (Zolpidem, Zaleplon)، أن تؤدي إلى النعاس وتساعد على النوم الجيد بصورة مؤقتة ريثما تعمل مضادات الاكتئاب تدريجيا على علاج المرض الأساس.
وأخيرا نلفت الانتباه إلى أن جميع هذه الأدوية تخضع لوصفة خاصة ومتابعة دقيقة من طبيب مهتم بمثل هذه الاضطرابات وخبير بها، أو مختص في الأمراض النفسية والعصبية أو اضطرابات النوم.