إقليدس
النيل والفرات:
كان أقليدس (330-270ق.م) أحد علماء مدرسة الإسكندرية الأوائل، الذين قاموا بأبحاث قيمة بالأخص في الرياضيات ومن أهم كتب أقليدس "كتاب الأصول" الذي يضم مجموعة كبيرة من النظريات التي لم تكن من ابتكاره، أنه بمثابة ملخص للمعلومات الهندسية التي وصل إليها اليونان منذ فيثاغورث حتى اقليدس، الذي جمع كل ما هو جوهري من رياضيات عصره ونسقه وبوبه في تسلسل منطقي.
ويقفز "كتاب الأصول" إلى جانب "أورجانو أرسطو" فيصارعه في الأهمية والدقة والصورة البرهانية. فكلاهما قد عرض بدقة كاملة لا يمكن أن تنتقد، وقد وصلا إلى درجة من الكمال ما كان يظن أن أحداً يمكنه أن يتعداها وكلاهما انتهلت منه الأجيال المتعاقبة، وكلاهما أثر على الفكر سواء بالأخذ أو النقد ولقد استخدم الشكل الاستدلالي لكتاب الأصول استخداماً يماثل استخدام منطق أرسطو.
ويصف بروقلس ما امتاز به كتاب الأصول الإقليدي عن غيره بقوله "سوف نجد، وفقاً لوجهات النظر هذه الكتاب الابتدائي لاقليدس يتفوق على جميع ما عداه، فإذا نظرنا إلى فائدته فإنه يؤدي إلى نظرية الأشكال الأبدية" وقد تأكد فيه الوضوح والتسلسل المنتظم وذلك بالسير من الأكثر بساطة إلى الأكثر تركيباً، وبوضوح أساس لنظرية الأفكار العامة، وبعمومية البراهين، وباختيار نقطة بداية للمسائل المراد علاجها في النظريات التي تقدم المبادئ.
هذا إن اقليدس لم يكن كما قلنا، مبتكراً لجميع ما حواه كتابه، فقد أخذ من سابقيه أخذاً كبيراً، ولكن له فضل لا يمكن إنكاره، حيث أنه طور الأعمال الهندسية التي أنجزت قبله. وربطها بمنطق لا يزعزع. وبذلك أوضح الطابع العقلي الضروري للهندسة. وقد برهن على أنه عندما نضع بعض المبادئ نتابع سلسلة من القضايا الرياضية بطريقة لا تقاوم.
إن كتاب الأصول يعرض في الواقع نموذجاً لعلم حق، يبدأ بمجموعة من القضايا الأولية، يعبر عنها على نحو من الممكن أن يقبله الجميع، ومع أن هذه القضايا قليلة العدد ما أمكن إلا أنها قادرة على ضمان تشييد البناء الرياضي كله. وهذا التشييد يذهب من البسيط إلى المركب بواسطة البرهان. فهو يبدأ بإثبات خصائص للأشكال الأولية ثم يبرهن بواسطتها على خصائص الأشكال الأكثر تعقيداً، وفي ذلك تركيب هندسي.
هذا باختصار لمحة بسيطة عما حواه "كتاب الأصول" والذي ألفه اقليدس ولمن يرغب بالاستزادة بالمعرفة فالكتاب الذي بين يدينا هو خير معين إذ أنه يقوم بتحليل كافة الأفكار والآراء التي ضمنها اقليدس كتابه هذا أو الكتب الأخرى التي بث فيها آراءه، كما وفيه معالجة للتصور الذي وضعه اليونانيون للمنهج العقلي، وكيف طبقوه في عرض الهندسة ابتداء من طاليس أو بالأصح فيثاغورت، وكيف أسهم كل من زينون وأبقراط الكيوسي وأفلاطون وإيدوكسوس في بلورة المنهج، الذي سوف يظهر في صورة مكتملة إلى حد ما على يد اقليدس.
كما ودرس هذا البحث المنهج الرياضي عند اقليدس كما وجاء في كتابه الأصول، فبين تصوره للمنهج وما وضع له من أسس وما هي طرقه في البرهان على المسائل والنظريات الرياضة وأوضح ما قد يكون من تشابه واختلاف بين منهج الهندسة وبين منطق أرسطو، وما هي النقط الحدسية التي تضمنتها هذه الهندسة، وقيل كل هذا توقف البحث عند تعريف الفلسفة وعلاقتها بالدين والعلم والفن، راداً على سؤال هام هو هل الفلسفة تفكير نقدي تأملي؟