جزاك الله خيراً
وشكراً جزيلاً لك
والموضوع دة موضوع اختلاف عند العلماء
ودة موضوع نقلته من موقع إسلام أون لاين
الموسيقى: علم يُعرَفُ منه أحوال النغم والإيقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات، وتطلق كذلك على الصوت الخارج من آلات العزف. الموسوعة الفقهية الكويتية (38/168) حرف الميم (معازف)
ومسألة سماع الموسيقى مسألة خلافية فقهية، ليست من أصول العقيدة، وليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ولا ينبغي للمسلمين أن يفسق بعضهم بعضًا ولا أن ينكر بعضهم على بعض بسبب تلك المسائل الخلافية؛ فإنما ينكر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيـه، وطالما أن هناك مـن الفقهـاء من أباح الموسيقى –وهؤلاء ممن يعتد بقولهم ويجوز تقليدهم– فلا يجوز تفريق الأمة بسبب تلك المسائل الخلافية، خاصة وأنه لم يرد نص في الشرع صحيح صريح في تحريم الموسيقى، وإلا ما ساغ الخلاف بشأنها.
وعمدة القائلين بالتحريم–وهم الجمهور– ظواهر بعض الآيات القرآنية الكريمـة التي حملها جماعـة من المفسرين على الغناء والمزامير، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (لقمان:60)، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:3)، وقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (الإسراء:64)، ومن السنة حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» رواه البخاري في الصحيح معلقًا.. إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا المعنى.
وذهب كثير من المحققين من أهل العلم –من الصحابة فمن بعدهم– إلى أن الضرب بالمعازف والآلات ما هو إلا صوتٌ: حَسَنُه حَسَنٌ وقبيحُه قبيحٌ، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن المعازف والآلات المشهورة، وأن النهي في حديث البخاري إنما هو عن المجموع لا عن الجميع؛ أي أن تجتمع هذه المفردات في صورة واحدة، فالمقصود النهي عن الترف وليس المقصود خصوص المعازف، وأن الأحـاديث الأخرى منها ما لا يصح ومنها ما هو محمول على ما كان من المعازف ملهيًا عن ذكر الله أو كان سببًا للفواحش والمحرمات؛ فالصحيح منها ليس صريحًا، والصريح منها ليس صحيحًا. وهذا مذهب أهل المدينة، وهو مروي عن جماعة من الصحابة كعبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وحسان بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، ومن التابعين القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف –وكان لا يحدِّث حديثًا حتى يضرب بالعود– وغيرهم.
قال إمام الحرمين في "النهاية": "نقل الأثبات من المؤرخين أن عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما كان له جوارٍ عوَّاداتٌ –أي يضربن بالعود– وأن ابن عمر رضي الله عنهما دخل عليه وإلى جنبه عود فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فناوله إياه، فتأمله ابن عمر فقال: هذا ميزان شامي، قال ابن الزبير: يوزن به العقول" أ.هـ
وعلى هذا المذهب ابن حزم وأهل الظاهر وبعض الشافعية ومنهم الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي والماوردي والروياني وأبو منصور البغدادي والرافعي وحجة الإسلام الغزالي وأبو الفضل ابن طاهر القيسراني والإمام عز الدين بن عبد السلام وشيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد وعبد الغني النابلسي الحنفي وغيرهم.
وقد صنف في إباحة الآلات والمعازف جماعة من أهل العلم: كابن حزم الظاهري في رسالته في السماع، وابن القيسراني في كتاب "السماع"، والأدفوي في "الإمتاع بأحكام السماع"، وأبي المواهب الشاذلي المالكي في "فرح الأسماع برخص السماع "، وغيرهم كثير.
وممن صرح بإباحة الآلات والمعازف حجة الإسلام الغزالي رحمه الله حيث قال: "اللهو معين على الجِد، ولا يصبر على الجِد المحض والحق المر إلا نفوسُ الأنبياء عليهم السلام؛ فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال؛ فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قُربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك؛ ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال؛ فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلـوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هـذه الأمور دواء نافـع لا غنى عنه". إحياء علوم الدين للإمام الغزالي (2/226) المطبعة الأزهرية.
وكذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام نُقل عنه أن الغناء بالآلات وبدونها قد يكون سبيلاً لصلاح القلوب فقال: "الطريق في صلاح القلوب يكون بأسباب من خارج؛ فيكون بالقرآن، وهؤلاء أفضل أهـل السماع، ويكون بالوعظ والتذكير، ويكون بالحداء والنشيد، ويكون بالغناء بالآلات المختلف في سماعها، كالشبابات، فإن كان السامع لهذه الآلات مستحلاًّ سماع ذلك فهو محسن بسماع ما يحصل له من الأحوال، وتارك للورع لسماعه ما اختلف في جواز سماعه". التاج والإكليل للعبدري المالكي (2/62) دار الفكر.
وقال الشيخ ابن القماح: "سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن الآلات كلها، فقال: مباح، فقال الشيخ شرف الدين التلمساني: يريد أنه لم يرد دليل صحيح من السنة على تحريمه –يخاطـب بذلك أهـل مصر- فسمعه الشيخ عز الدين فقال: لا، أردت أن ذلك مباح". فرح الأسماع برخص السماع، لأبي المواهب الشاذلي.
ونقل القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" قول القشيري: ضُرِبَ بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم دخل المدينـة، فهم أبو بكر بالزجـر، فقـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دعهن يا أبا بكر؛ حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح»، فكن يضربن ويقلن: نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار. ثم قال القرطبي: "وقد قيل إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث". تفسير القرطبي (14/54).
ونقل الشوكاني في "نيل الأوطار"في باب ما جاء في آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث: «كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ» بقول الغزالي: قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم «بَاطِلٌ» لا يـدل على التحريم؛ بل يدل على عدم الفائدة، ثم قال الشوكاني: "وهو جواب صحيح؛ لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح"، وساق أدلة أخرى في هذا الصدد من بينها حديث من نذرت أن تضرب بالدف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رده الله سالمًا من إحدى الغزوات، وقد أذن لها صلى الله عليه وآله وسلم بالوفاء بالنذر والضرب بالدف. رواه الترمذي وصححه من حديث بريدة رضي الله عنه، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكاني إلى رسالة له عنوانها "إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع". نيل الأوطار (8/118).
وقال ابن حزم: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فمن نوى استماع الغناء عونًا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنـزها وقعوده على باب داره متفرجا". المحلى لابن حزم (7/567).
- اقتباس :
- ونخلص في كل ما سبق إلى أن الغناء بآلة –أي مع الموسيقى– وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولى؛ فاتفقوا في مواضع، واختلفوا في أخرى.
اتفقواعلى تحريم كل غناء يشتمل على فحش، أو فسق، أو تحريض على معصية؛ إذ الغناء ليس إلا كلامًا: فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل على حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير؟
واتفقواعلى إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السـرور المشروعة؛ كالعُرس، وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها، واختلفوا في الغناء المصحوب بالآلات.
والذي نرجحه ونميل إلى القول به هو جواز استعمال المعازف وسماعها بشرط اختيار الحسن وعدم الاشتغال بما يلهي عن ذكر الله تعالى أو يجر إلى الفساد أو يتنافى مع الشرع الشريف؛ إذ ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات، بل الفطرة النقية تستملح الأصوات الجميلة وتستعذبها، حتى قيل إن قرار ذلك في الفِطر مَرَدُّه إلى خطاب الله سبحانه لبني آدم في عالم الذَّرّ عندما أخذ العهد عليهم بقوله "ألَسْتُ بربِّكم"، وهذا هو ما نراه أوفق لعصرنا.
منقووووووول