ذكرت المصادر أن أبا المهاجر أساء إلى عقبة إساءة بالغة، فقد سجنه وأوقره حديداً
[1]، ولا ندري ما الذي حمل أبا المهاجر على هذا؟ قال الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف في كتابه القيم: ولا ندري ما الذي حمل أبا المهاجر على هذا؟ ويصعب علينا أن نقبل اتهام الدكتور حسين مؤنس لمسلمة بن مخلد، بأنه هو الذي أوعز إلى أبي المهاجر أن يسيء إلى عقبة
[2]. فهذا اتهام لا يستند إلى دليل، خصوصاً وأن ابن عبد الحكم يقول عن مسلمة حين ولي أبا المهاجر: وأوصاه حين ولاه أن يعزل عقبة بأن يحسن العزل، فخالفه أبو المهاجر، فأساء عزله وسجنه وأوقره حديداً، حتى أتاه كتاب من الخليفة بتخلية سبيله وإشخاصه إليه
[3]. ثم يذكر أن مسلمة ركب إلى عقبة حين مر بمصر وترضاه وأقسم له بالله لقد خالفه ما صنع أبا المهاجر وقال له: ولقد أوصيته بك خاصة
[4]، ولكن لماذا خالف أبو المهاجر وصية مولاه مسلمة وأساء إلى عقبة، مع أنه هو شخصياً كان يجل عقبة، ويعرف مقامه، وقد جزع عندما دعا عليه عقبة، وقال هذا رجل لا يرد له دعاء، هذا هو السؤال الذي لا نملك عليه جواباً شافياً .. اللهم إلا الاستنتاج الذي أخذ به محمد علي دبوز، وهو أن أبا المهاجر ربما يكون قد أضطر اضطراراً إلى القبض على عقبة وسجنه، لأن عقبة خاشنه ولم يرضخ للعزل بسهولة لأنه كان يرى نفسه أحق بالولاية والقيادة من أبي المهاجر: ولعل أبا المهاجر قد خاف من خلاف يقع بين المسلمين لعدم رضوخ عقبة له فيستغله أعداؤهم الروم، فاضطر إلى سجنه حتى لا يحدث خلل بين المسلمين
[5]. إن كان هذا الاستنتاج صحيحاً وهو على كل حال معقول، فقد يخفف من شدة اللوم الذي يوجهه إلى أبي المهاجر كل مسلم حريص على أن تسود روح الاحترام والإجلال بين القادة المسلمين مهما كانت خلافاتهم، وأن يحاول اللاحق منهم الاستفادة من جهود السابق وخبرته، بدلاً من الإساءة وتبادل الأحقاد وأن يكون السابق منهم حريصاً كذلك على أن يعطي خبرته وتجاربه ونصائحه للاحق، حتى ينجح في مهمته لأن هدفهم واحد وهو الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته ونشر دينه
[6].