ظهرت الديانة البوذية في الهند بعد الديانة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد، على يد مؤسسها سدهارتا بوذا، المولود في مدينة "لمبنى" على حدود نيبال وأصل الكلمة بودها Buddha معناها صاحب العلم والمعرفة، واختلف الباحثون في تاريخ ولادته فقيل سنة852 ق. م وقيل 652 ق. م وقيل 552 ق. م فنشأ هناك خلاف بين المؤرخين حول بوذا ووجوده التاريخي لأن تدوين تعليماته لم يبدأ إلا بعد مضي ثلاثة قرون في زمن الملك "أشوكا" أو "أسوكا" فكانت الحكايات والتعليمات تتناقل في هذه القرون المظلمة مشافهة ولهذا لم يصل أحد إلى حقيقة بوذا وتعاليمه الأصلية إلا ما عثر من الملك "أشوكا" ولوحاته والسبب في ذلك هو أن تعليمات بوذا لم تسمح لأحد من أتباعه أن يدون شيئا باسمه خوفا من نعتهم بالبحث عن السمعة والرياء، فمن كتب شيئا أو ألف كتابا أخفى اسمه حتى بقي تاريخ التأليف مجهولا لدى الباحثين.
قضى بوذا طفولته في ترف، حيث كان والده ملكاً. فشبَّ مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشُّف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس. ورأى أن تعاليم الكتب الهندوسية المقدسة غريبة باطلة، فعزم على تخليص الناس من آلامهم والتي كان منبعها الشهوات كما اعتقد، ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون وبقي يدعو الناس إلى دينه خمسا وأربعين سنة، حتى توفي في العقد الثامن من عمره.
البوذية والمجتمع
لم تكن الديانة البوذية قاصرة على طبقة من المجتمع دون أخرى بل استوعبت كل من أراد الدخول فيها خلافا للديانة الهندوسية، فانتشرت البوذية انتشارا مهما ودخل فيها جمهرة من الهندوس من الطبقة الوضيعة. ومن حسن حظها أن اعتنق الملك أشوكا البوذية وجعلها دينا رسميا للبلاد، وأرسل الدعاة والمبلغين في داخل الهند وخارجها وأرسل ابنه "ماهندرا" إلى جنوب الهند وسيلان فبلغت البوذية إلى شرق آسيا ووسطها.
انتهج بوذا لنفسه منهجاً تقشفياً ومن خلال عزلته وتفكره توصل إلى أن الآلهة ليس لها القدرة على تغيير الظواهر الطبيعية، وأنكر أن "ألبرهما" هو خالق كل شيء. وهذا ما يؤكد أنه لم يكن نبياً ولم يتلقَّ وحياً؛ إنما هو باحث فيلسوف ومفكر، ولكن الصفات الجيدة التي اتصف بها سببت لدعوته النجاح دون كثير من الجهد والعناء، فقيل أنه كان رحيماً يشفق على كل كائن تدب فيه الحياة، كما كان يترفع عن الكذب والغيبة والنميمة.
وقد صبغت البوذية القديمة بصبغة أخلاقية ميزتها سذاجة المنطق وإثارة العاطفة، أما البوذية اليوم فقد اختلطت تعاليم بوذا بآراء وأفكار مجردة عن الحياة، مبنية على نظريات فلسفية وقياسات عقلية يغلب عليها صبغة الفلسفة.
الأفكار والتعاليم
يعتقد البوذيون أن بوذا هو ابن الله، وهو المخلّص للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم. ويعتقدون أيضاً إن هيئة بوذا قد تغيرت في آخر أيامه وأنه قد نزل عليه نور أحاط برأسه، وأضاء من جسده نور عظيم، فقالوا بإلوهيته. وقال أتباعه أيضا أنه صعد إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مهمته على الأرض.
كانت تعاليم بوذا التي رأى أنها تحقق ما يسعى إليه تتلخَّص في فلسفته حول الألم، فيرى بوذا أن الولادة مؤلمة والمرض مؤلم، والشيخوخة مؤلمة والحزن والبكاء والخيبة واليأس كلها مؤلمة، وأن سبب الألم هو الشهوة التي تؤدي إلى ولادة جديدة، والشهوة التي تمازجها اللذة والانغماس فيها، شهوة العاطفة وشهوة الحياة وشهوة العدم. وإن وقف الألم يكون قد بتر هذه الشهوة من أصولها فلا تبقى لها بقية في النفوس ويحدث هذا البتر بالانقطاع والعزلة والخلاص مما يشغل الناس من شؤون الحياة، ويكون وقف الألم كذلك بأن يسلك الإنسان "الشعب" أو الصفات الثماني التي هي: الإيمان الحق والقرار الحق والكلام الحق والسلوك الحق والعمل الحق والجهد الحق والتأمل الحق والتركيز الحق.
انتشرت هذه التعاليم في جميع أنحاء مملكة أشوكا، واعتنقها أهل المملكة، ومع استمرار بوذا في نشر تعاليمه تعدّت البوذية حدود الهند حتى أصبحت عالمية؛ بينما الهندوسية كانت قومية لأهل الهند فقط.
الأصول والطقوس
قام بوذا بوضع وصايا عشر لأتباعه وهي: تحريم قتل النفس, تحريم السرقة وتحريم الزنا وتحريم الكذب وتحريم الخمر وتحريم الأكل بعد الظهر، وتحريم الرقص، وتحريم التطيب والموسيقى، وتحريم الجلوس على الشوارع والأماكن المرتفعة وتحريم قبول الهدايا من الذهب والفضة.
وللبوذية طقوس أضيفت إليها مؤخراً، وقد كانت خالية منها في عهد بوذا مثل:
الصلاة: أمام تمثال بوذا في المعابد جلوساً. حيث يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع.
والصيام: وهو الامتناع عن الطعام دون الشراب.
والحج: وهو شد الرحال إلى الهند وسيلان لزيارة الأماكن المقدسة لأتباع هذه الديانة.
مذاهب البوذية وكتبهم:
وجد مذهبان للبوذيين وهما:
المذهب الشمالي، وقد غالى أهله في بوذا حتى ألَّهوه، وهذا المذهب يشترط للإيمان بالبوذية أن يلتزم البوذي في حياته بتقليد خطى حياة بوذا. وكتب هذا المذهب مدونة باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتبت ونيبال وسومطرة.
والمذهب الجنوبي، وأتباعه أقل غلواً في بوذا وهم يقدسون بوذا على أنه معلم أخلاقي وكتبه مدونة باللغة البالية، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام. وتعاليم البوذية وكتبهم ليست منزلة ولا هم يدّعون ذلك بل هي عباراتٌ منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله سجلها بعض أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين.
انقسمت كتب البوذيين إلى ثلاثة أقسام: مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.ومجموعة الخطب التي ألقاها بوذا، والكتاب الذي يحوي أصل المذهب والفكرة التي نبع منها. وقد عبروا في كتبهم عن بلوغ النفس الكمال الأسمى والسعادة القصوى وانطلاقها من أسر المادة وانعتاقها من ضرورة التناسخ "بالينرفانا" وتعني الخلاص من أسر المعاناة والرغبة واكتساب صفاء الدين والروح والتحرر من أسر العبودية واللذة وانبثاق نور المعرفة، عن طريق تعذيب النفس ومقاومة النزعات مع بذل الجهد والتأمل والتركيز الفكري والروحي.
وتعتمد جميع كتب البوذيين على الآراء الفلسفية ومخاطبة الخيال وتختلف البوذية في الصين عنها في الهند بحسب نظرة الفلاسفة اليها.