قوله تعالى وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى )واسمه حبيب النجار ،وكان مجذوما ،وكان قد آمن بالرسل لما وردوا القرية ،وكان منزله عند أقصى باب من أبواب القرية ،فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم ،جاء يسعى ،فقال ما قصه الله علينا .
وقال ابن اسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضى الله عنهما :أن أهل القرية هموا بقتل رسلهم فجائهم رجل من أقصى المدينة ساعيا لينصرهم من قومه (قال يا قوم اتبعوا المرسلين ) أى يحض على اتباع رسلهم (اتبعوا من لا يسألكم أجرا )أى على ابلاغكم رسالة الله (وهم مهتدون )فيما يدعونكم اليه من عبادة الله وحده لا شريك له .
** انها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة .فيها الصدق .والبساطة .والحرارة .واستقامة الادراك .وتلبية الايقاع القوى للحق المبين .
فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق ما يتحدث عنه من مقالته لقومه .وحينما استشعر قلبه حقيقة الايمان تحركت هذه الحقيقة فى ضميره فلم يطق عليها سكوتا ،ولم يقبع فى داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور ،ولكنه سعى بالحق الذى استقر فى ضميره وتحرك فى شعوره .سعى به الى قومه وهو يكذبون ويجحدون وتوعدون ويهددون .وجاء من أقصى المينة يسعى ليقوم بواجبه فى دعوة قومه الى الحق ،وفى كفهم عن البغى ،وفى مقاومة اعتدائهم الأثيم الذى يشكون أن يصبوه على المرسلين .
وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان .ولم يكن فى عزوة من قومه أو منعة من عشيرته .ولكنها العقيدة الحية فى ضميره تدفعه وتجئ به من أقصى المدينة الى أقصاها .