هل العاصي لا يُستجاب دعاؤه ؟
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يأكل الحرام أو يلبسه لا يستجاب له ؟. فهل العاصي لا يستجاب لدعائه ؟.
الحمد لله
استجابة دعاء الداعي في الأصل دليل على صلاح المرء وتقواه ، ولكنها لا تدل على ذلك دائماً ، فقد يستجاب للعاصي استدراجاً أو لحكمة ، فقد استجاب الله دعاء الشيطان لما قال : ( رب أنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين ).
فهذه الإجابة ليست إكراماً له وإنما إهانة ليزداد إثماً فتعظم عقوبته والعياذ بالله .
وقد ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( دعوة المظلوم مستجابة ولو كان فاجراً ، ففجوره على نفسه ) رواه أحمد . وانظر صحيح الجامع (3382)
كذلك عدم إجابة الدعاء لا تدل على فساد الداعي في كل الأحوال ، فهناك سؤال منعه الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام : " سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنين الحديث .. رواه مسلم (2890).
فعدم إجابة الله بعض دعاء نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم لحكمة عظيمة ليعلم البشر أنه ليس له من الأمر شيء ، وأن الأمر كله لله
انظر شرح الأربعين للعلامة النووي وكتاب الدعاء للشيخ محمد الحمد .
وانظر هذه القصه التي ذكرها الشيخ محمد العريفي في كتابه "هل تبحث عن وظيفة"
..وإسناد القصة صحيح كما ذكر ذلك ابن حجر..
أعلم ان كلنا ذوو خطأ وزلل ولكن الانسان لا يصر على المعاصي ..ولا يقنط من رحمة الله .
وهذه قصة الصحابي الجليل الذي كان يأخذ معه الخمر أم الخبائث
ابو محجن الثقفي رجل من المسلمين بل ومن الصحابة ، وكان قد ابتلي بشرب الخمر ..وطالما عوقب عليها ويعود ..ويعاقب ويعود ..
فلما تداعى المسلمون للجهاد ولقتال الفرس في معركة القادسية خرج معهم ابو محجن..وحمل زاده ومتاعه ..ولم ينس ان يحمل خمرا..دسها بين متاعه ..فلما وصلو القادسية ..طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين..
وبدأت المراسلات بين الجيشين..عندها وسوس الشيطان لأبي محجن فاختبأ في مكان بعيد وشرب الخمر..فلما علم به سعد غضب عليه وحرمه من دخول القتال..وأمر أن يقيد بالسلا سل ويغلق عليه في خيمة.
فلما ابتدأ القتال وسمع أبو محجن صهيل الخيول ..وصيحات الابطال ..لم يطق أن يصبر على القيد ..واشتاق للشهادة..بل اشتاق الى خدمة هذا الدين..وبذل روحه لله ..وإن كان عاصيا..وإن كان مدمن خمر..إلا أنه مسلم يحب الله ورسوله
أخذ يترنم قائلا :
كفى حزنا أن تدخل الخيل بالقنـى
وأترك مشدودا علي وثاقيــــــــا
إذا قمت عناني الحديد وغلقـــــت
مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخــــــــــوة
وقد تركوني مفردا لاأخاَ ليــــــا
فلله عهد لاأحــــــــيف بعهـــــــده
لإن فـــــرجت لا أزور الحــــــوانيا
ثم أخذ ينادي بأعلى صوته..!!
فأجابته إمرأة سعد ماذا تريد ؟
فقال : فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد ، فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ماأريد وإن بقيت فلك علي عهدالله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في رجلي ، وأخذ يرجوها ويناشدها حتى فكت القيدوأعطته البلقاء ، فلبس درعه وغطى وجهه بالمغفر ، ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس ..والقى بنفسه بين يدي الكفار
علق نفسه بالآخرة ولم يفلح ابليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين
وحمل على القوم برقابهم بين الصفين برمحه وسلا حه ، وتعجب الناس منه وهم لايعرفونه ولم يروه بالنهار.. ومضى أبو محجن يقاتل ويبذل روحه رخيصة في ذات الله عز وجل .. نعم مضى أبو محجن ..
أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال .. لكنه كان يرقب القتال من بعيد .. فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله ، وقال الضرب ضرب أبي محجن والكر كر البلقاء
وأبو محجن في القيد ،والبلقاء في الحبس ..!!
فلما انتهى القتال عاد أبو محجن الى سجنه ووضع رجله في القيد ، ونزل سعد فوجد فرسه يعرق فقال : ما هذا ؟
فذكروا له قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقه وقال : والله لا جلدتك في الخمر أبدا ،فقال أبو محجن : وأنا والله لا شربت الخمر أبدا ...
فلله در أبي محجن ..
لم تمنعه معصيته من الجهاد في سبيل الله وخدمة دين الله.
فمهما بلغت ذنوبك لاتجعلها تثنيك وتردك عن خدمة دين الله
وماذا بعد أخي الحبيب ؟ ماذا قدمت أنت لدين الله ؟
ماذا بذلت للإسلام من جهد ؟ ماذا أنفقت له من مال ؟ ماذا قدمت له من وقت؟
كم مرة مسحت دمعة يتيم. . . أو أعدت فيها البسمة إلى شفاة أرملة. .
و سترت فيها على مسلمة أو حفظتها من هتك عرضها والانحراف
قال النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"
جاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِد"
صححه الشيخ الألباني