حتى الآن لم يعرف بالتحديد من الذي اخترع كرة القدم او ركلها او المجتمع الذي مارسها بصورتها البدائية قبل ان تمارس في انكلترا وتنتقل الى العالم، الروايات عن اصل كرة القدم متعددة ومختلفة ، ولكن من المؤكد ان بعض المنافسات اقيمت خلال الحضارتين اليونانية والرومانية، وهناك رواية تذكر ان الصينيين مارسوها منذ اربعة آلاف سنة ، وكانت اللعبة تسمى”تسو تشو“.
كما كتب احد المؤرخين يقول: ان اليابان عرفت كرة القدم منذ (14) قرنا وكانت تسمى كيماري اما هوميروس فقد كتب في الاوديسة عن كرة جميلة مشعة
وكتب هيرودوت ابو التاريخ عام448 ق.م يقول: عندما زرت مصر وجدت هناك لعبة تسمى لعبة الكرة، يصنعها المصريون من جلد الماعز، ويحشونها بالقطن او القش ويركلها اللاعبون بالاقدام بين فريقين يتنافسان حتى تصل الكرة الى نقطة النهاية لتحتسب بعد ذلك هدفا.
وهناك رواية تقول ان العرب مارسوا كرة القدم منذ الاف السنين، فقد كتب المسعودي تركي بن ناصر السديري يقول: لعب العرب الكرة قبل ان يعرفها الاوروبيون، بل لعلهم من عرف اوروبا بالكرة وألعابها، كما استشهد كاتب اخر هو ابو تراب الظاهري ببيت شعر للشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم وهو :
يدهدون الرؤوس كما يدهدى
هزاورة بأيديها الكرينا
كأن سيوفنا فينا وفيهم
مخاريق بايدي لاعبينا
ويرى السديري ان العرب من اوائل الذين مارسوا كرة القدم، فقد تم اكتشاف لوح اثري في العراق 1976 مرسوم عليه رجل بين ساقيه كرة واحدى ساقيه في وضع ركل، كما ان الفراعنة مارسوها ايضا ولعبها اهل الجزيرة العربية، كما ان لعبة المياس المغربية كانت شكلا من اشكال الكرة الحديثة حيث تلعب الكرة بين فريقين محددين ويسعى كل فريق الى ادخال الكرة في مرمى الفريق الاخر، ويقول: كرة القدم نتاج حضارات التاريخ.
وهناك من يقول ان اليونان مارست كرة القدم في القرن الخامس قبل الميلاد، ورأي اخر يذكر ان الرومان توارثوها، ونقلوها الى غرب اوروبا ثم الى بريطانيا عندما احتلوها
لكن المؤرخين البريطانيين تصدوا لهذه الاراء وادعوا ان كرة القدم ولدت عندهم، واستدلوا على ذلك بواقعة تاريخية، وهي ان الدنماركيين احتلوا انكلترا في الفترة من 1016 الى 1024 ميلادية وان الانكليز حاربهم في معركة دامية كان من اثرها ان الجنود الانكليز قطعوا رأس القائد الدنماركي وداسوه بأقدامهم مثل الكرة وصار هذا فيما بعد تقليدا قوميا، ومن مظاهر الاحتفال بالقضاء على الاحتلال ،وسميت هذه اللعبة العنيفة” ركل رأس الدنماركي“.
ورويدا رويدا بدأ بعض الاطفال يقذفون كرة من جلد البقر، واعتبر ذلك فجر ظهور اللعبة واكتشافها في الفترة من عام 1050 الى 1075 م.
وفي العديد من الكتب والموسوعات التي تؤرخ بداية كرة القدم رسوم ومعلومات عن ممارستها في حقول فرنسا ، وفي طرقات مدينة البندقية في ايطاليا حيث كانت تسمى الكالتشي في القرن السادس عشر وكانت المباريات تجري بين مدينتين ويتكون كل فريق من آلاف السكان وما زال الدوري الايطالي يسمى الكالشيو حتى اليوم، وفي جميع الاحوال كان العنف دائما توأما لكرة القدم وهو ما دفع الى تحريم ممارستها في بعض الفترات لا سيما في انكلترا، فقد منعها الملك ادوارد الثاني والملك هنري الرابع والملك ريتشارد الثاني كما حرمتها الكنيسة وظلت اللعبة ممنوعة لمدة (400) سنة ثم عادت في عهد الملك جيمس الثاني .
وقد اجمعت كتب التاريخ على ان انكلترا هي مهد اللعبة التي عرفها العالم فيما بعد، ففي مدينة دربي شاير اقيمت مباريات اسبوعية بين شطري المدينة وكانت المباراة تجري بين المئات من لاعبي الفريقين والملعب هو شارع البلدة وطرقاتها وتدريجيا تم تخفيض عدد اللاعبين الى (30) لاعبا في كل فريق وجاءت مرحلة ازدهار جديدة للعبة التي بدأت تجذب الشباب والطلبة لكنها كانت تمارس بلا قواعد او قوانين ، فالمباريات تجري على اي ملعب والكرة تركل بالقدم ومسموح امساكها باليد، وعدد لاعبي الفريقين يصل الى (40) لاعبا، والاهداف قليلة لأنه لا يوجد مرمى وانما مجرد خط نهاية لا يزيد عرضه على (6) ياردات، وفي عام 1823 كان وليام ايليس طالبا في كلية ركبي وشارك في مباراة وامسك الكرة ولم يتركها، وجرى بها، حتى وضها في المرمى الاخر.ولما انتقدت هذه المخالفة دافع رئيس الفريق عن تصرف ايليس بقوله ”ان هذا يزيد البهجة في اللعبة، ويضفي على المباراة لونا جديدا من الاثارة والمنافسة “ . وسميت هذه الرياضة التي يتنافس فيها الفريقان على الكرة باليد (ركبي) نسبة الى الكلية وهنا ظهر الخلاف حول مضمون اللعبة ، فهل هي ركل الكرة بالقدم ام امساكها باليد ام الاثنان معا .
في عام 1830 اتفق الانكليز على ان تكون لعبة الكرة لعبتين الاولى هي الركبي التي تعد من اشهر اللعبات الانكليزية حتى الان، وتلعب باليد والقدم ، والثانية هي كرة القدم التي يعرفها العالم، وتمارس بالقدم فقط.
وكان فريق شيفيلد اول الاندية التي تأسست عام 1857 واول فريق يلعب في الدوري الانكليزي فيما بعد هو نوتس كاونتي عام 1862 وتأسس الاتحاد الانكليزي عام 1863، ويعد الدوري الانكليزي اقدم مسابقة رسمية لكرة القدم ، حيث انطلق في 22 آذار عام 1888.
ومن بريطانيا خرجت كرة القدم الى العالم فانتقلت الى اوروبا اولا ثم الى المستعمرات مع جنود الاحتلال في افريقيا واسيا واستراليا وحتى الى اميركا الجنوبية. وكان فريق بوينس ايرس اول فريق كرة قدم يتأسس في اميركا الجنوبية عام 1865 . وفي البرازيل عرف شعبها الكرة على يد مواطن انكليزي يدعى تشارلز ميلر وقد ولد من ابوين انكليزيين في مدينة ساوباولو البرازيلية ثم سافر في مطلع شبابه الى وطنه الاصلي حيث عشق الكرة ولعب لنادي ساوثامبتون وعاد الى البرازيل في اواخر القرن التاسع عشر ونشر اللعبة الجديدة فيها .
ولم تعد كرة القدم مجرد رياضة او لعبة مثل الالعاب بل اصبحت مثار اهتمام ورعاية كل دول العالم، والاهتمام بالكرة وصل لدى بعض المشجعين الى حد الهوس.
واذا كان العنف هو الجانب المظلم للكرة،او وجهها القبيح فان لها جوانب اخرى مبهجة، وطريفة وغريبة ووجوه جميلة ايضاً.
فبالاضافة الى جماعية اللعبة وملعبها الكبير وحجم كرتها الصغير الذي يكفي لمتابعة خطوط سيرها بسهولة، وتعدد خططها وما تحويه من مناورات ومفاجآت متغيرة ومتجددة، وهي اسباب الاثارة والمتعة والاستمتاع بموسيقى الاداء الجماعي الجميل الذي ينتهي بالاهداف التي تأتي من المفاجآت فتهز القلوب على المدرجات كما تهز الشباك.
وفي المدرجات ترى كل الوان الفنون و الجنون و العقل ايضا ترى الانفعال والمرح، والانفعال الحزين، ولعل جماهير الكرة اسرع الجماهير تحولأ يذهبون الى الملاعب وهم متعطشون الى الاهداف،يهتفون و يتشاجرون ويطربون ويصرخون ويختلفون في وسائل تشجيعهم فالطبول هي السلاح احيانا والالوان الزاهية على الملابس والوجوه هي السلاح في احيان اخرى، وفي المدرجات نرى العجب ونسمع الاهازيج والاغاني المؤلفة في لحظة من اجل لاعب او لعبة منتهى الفن او منتهى الجنون، انها كرة القدم وعالمها الذي نجد فيه كل شيء وكل لون ومن كرة القدم استحدثت شعوب العالم بثقافاتها المختلفة كل اشكال العاب الكرة الأخرى التي ولدت من بطن كرة القدم تلك اللعبة التي كانت مثل المعارك الحربية في القرون الوسطى في بريطانيا فهي بين مدينتين او فريقين والهدف ان تصل الكرة الى المدينة او القرية الاخرى بكل الاساليب المشروعة وغير المشروعة وقد تبلورت قوانين كرة القدم التي نمارسها في العصر الفيكتوري عندما اصبح اللهو المنظم جزءا لا يتجزأ من تطور المجتمعات الصناعية واول من وضع قواعد اللعبة هم طلبة المدارس في انكلترا ومنها عملية ايتون وحتى الان تقام مباراة واحدة سنويا في تلك الكلية العريقة بنفس القواعد القديمة وبنفس الملابس وانتشرت كرة القدم كما انتشرت الركبي وفي الولايات المتحدة الاميركية لعبة مماثلة للركبي الانكليزية وهي كرة القدم الاميركية وفي ايرندا لعبة الركبي الخاصة بها وفي استراليا لعبة تعد خليطا بين كرة القدم والركبي تسمى استراليان رولز وفي ولز لعبة مشابهة للركبي تسمى جاليك فوتبول وفي آسيا لعبة تجمع بين الكرة الطائرة وكرة القدم تسمى سيباك تاكراو وهناك كرة القدم على الدراجات البخارية وتسمى موتوبول.
لكن لماذا غزت هذه اللعبة كل دول العالم ولماذا اصبحت في حياتنا بحجم الكرة الاضية دون باقي اللعبات ؟ لأنها ببساطة صورة من صور الحرب المشروعة والحرب رياضة غريزية عند البشر وكرة القدم تعد صورة من صور الصراع الجماعي المتكرر.
وهي لعبة سهلة تمارس في اي مكان في الساحة وفي الشارع وباية ادوات ولا تحتاج الى ملابس معينة مثل الملاكمة او كرة السلة او الطائرة او التنس وغيرها من الالعاب.
ويمكن ان يلعبها لاعب بمفرده او ثلاثة او عشرة لاعبين وهي تمارس في الملاعب المفتوحة والمغلقة وفي اية ساحة رملية او عشبية او صلبة وتحت ضوء الشمس وتحت نور القمر وقوانينها بسيطة وغير معقدة، فالكثير من شعوب العالم حتى اليوم لا يعرفون قوانين البيسبول مثلا اضافة الى انها لعبة ممكنة للجميع للاغنياء والفقراء والاطفال والرجال والسيدات لقصار القامة وطوالها .
ويذكر علماء الاجتماع ان وسط القرن التاسع عشر ولد المجتمع الصناعي الذي ارغم العديد من الناس على استعمال الايدي في العمل الالي المرهق، مما حرمهم من الانشطة الخلاقة الاخرى، وعليه فقد وجد الالاف في لعبة كرة القدم الجديدة التنظيم الجماعي الذي يعكس صورة من صور حياتهم وفي نفس الوقت يعطي قيمة اضافية بل ثقافية لاستخدامات الاطراف التي لا تستعمل في العمل وهي الارجل، والابداع بالقدم يختلف عن الابداع باليد وهذا من اسرار اللعبة، فعندما يجيد اللاعب التحكم بالكرة بقدمه بالمراوغة او المداعبة فأن ذلك يثير اعجاب الجمهور، وعندما يسجل لاعب الكرة هدفا بقدمه من بعيد فأن ذلك ايضا يثير اعجاب الجماهير التي لا تعبر عن نفس القدر من الاعجاب في الاهداف التي تسجل باليد، كما في كرة السلة او اليد كما ان اهدف كرة القدم قليلة وقلتها تزيد درجة الانفعال بها بينما في كرة اليد او السلة نجد هدفا كل دقيقة ولكي نجعل الصورة اوضح فان لاعب كرة القدم فنان يرسم لوحة بقدمه وهذا اصعب بكثير من الفنان الذي يرسم لوحة بيده.
ومنذ البدايات البعيدة للعبة كانت هناك مظاهر اهتمام كبير بها ففي 20 نيسان عام 1901 اي قبل اكثر من مائة عام اقيمت مباراة نهائي كاس انكلترا في كريستال بالاس وحضرها 110 آلاف متفرج ومنذ ذلك الوقت اصبحت كرة القدم مرشحة لان تكون اللعبة الشعبية الاولى.. وفي اكتوبر من العام نفسه اصدر الفرنسي هنري ديسجرانج صحيفة يومية وكتب فيها مدير تحريرها روبير جيرين اول وصف لمباراة كرة قدم في 13 اكتوبر عام 1902 بين منتخبي المجر والنمسا وتوالى الاهتمام باللعبة بدخول الراديو الذي نقل اول مباراة على الهواء باللعبة مباشرة في 22 كانون الثاني عام 1927 بين فريقي ارسنال وشيفيلد يونايتد ثم عرض التلفزيون لقطات من مباراة ودية لفريقين من ارسنال في 16 تشرين الاول عام 1937 وكانت اول مباراة تنقل بكاملها على الهواء مباشرة في 30 نيسان عام 1938 بين فريقي بريسنون وهدرسفيلد في نهائي كاس انكلترا على على ملعب ويمبلي وتابع المباراة في الملعب 100 الف متفرج بينما تابعها عبر شاشات التفلزيون 10 الاف فقط وكان ملعب ويمبلي الشهير قد فتح ابوابه لاول مرة لاستقبال نهائي كاس انكلترا وكانت سعة الملعب 26 الف متفرج وحضر الى المباراة 200 الف متفرج وعمت الفوضى وصعد ضابط شرطة الى المدرجات على جواد ابيض لاعادة النظام فعرف هذا النهائي باسم نهائي الحصان الابيض
وهناك دراسة قام بها الباحث الفرنسي كريستيان برومبرجر الاستاذ في جامعة برو فاتس جنوب فرنسا عن كرة القدم وقد كانت على جماهير الكرة في مرسيليا ونابولي وترينو واستغرقت 10 سنوات درس خلالها سلوك الجماهير في ملعب كرة القدم وتوصل الى ان الملعب يجمع بين المؤيدين وهم الجمهور وابطالهم وهم اللاعبون وان هذا الملعب هو احد الاماكن القليلة التي يستطيع فيها الانسان ان يفلت من القانون والضوابط والقيود الصارمة التي تنظم حياته في الشارع والمدرسة والعمل والمنزل ولذلك فهو في الملعب ينفلت ويفرح ويصرخ وينفعل ويغضب مثل المجنون وسط سلوك جماعي مصاب بالجنون مثله، ولا أحد يستطيع ان يحاسبه ويصفه بأنه خارج على النظام والانضباط وانه مجنون.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتظام بطولات كأس العالم شهدت كرة القدم تحولات جديدة وأسهم التلفزيون في زيادة شعبية اللعبة منذ نقلت بعض مباريات كأس العالم عام 1954 على الهواء مباشرة ثم اصبح التلفزيون شريكاً أساسياً في اللعبة وفي الترويج لها، وفي احصائية دقيقة نجد ان كل مشاهد في الملعب لمباراة واحدة يقابله (15) الف مشاهد عبر شاشات التلفزيون.
وقد عرفت اللعبة الاحتراف منذ مائة عام ، لكن البداية الحقيقية لغزو المال كانت عام 1968 حين بدأت اعلانات الدعاية لبعض الشركات فانيلات اللاعبين، وهو ماغير مفهوم التعامل مع اللعبة، واصبح المهم تحقيق الارباح، وهذا المفهوم جذب الشركات التجارية الكبرى لرعاية فرق كرة القدم في كل بلدان العالم ففي ايطاليا نرى فيات تمتلك فريق اليوفنتوس والمنتخب وتمتلك شركة فيلبس الهولندية فريق ايندهوفن وباير ليفركوزن الالماني، واصبحت الاندية تمتلكها او ترعاها شركات البان وسيارات وتلفونات، كما دخلت مجال رعاية الاحداث الرياضية الكبرى العديد من الشركات التي تدفع ملايين الدولارات مقابل ظهور شعاراتها في البطولات الرياضية وهكذا لم تعد كرة القدم مجرد لعبة بل صناعة وتجارة، وشأن أي صناعة هناك اطراف لها مصالح، وهي اطراف قوية، تبذل ما في وسعها لبيع اللعبة والدفاع عن مصالحها حتى وصل الامر الى ان تصبح كرة القدم لعبة مهمة في يد رجال السياسة ايضاً