فى غرفة ضيقة بالدرب الأحمر، مات ٧ من العمال والأطفال، تحت أنقاض سقف انهار عليهم وحاصر أجسادهم المرهقة، لكنهم بموتهم كشفوا مأساة أخرى يعيشها ٧٠ ألف مواطن من أهلهم فى قرية بالفيوم، محاصرون بالفقر ونقص الخدمات والأمراض.
هنا فى «كحك البحرية»، بعيداً عن القاهرة بـ١٢٠ كيلومتراً، صورة خالصة للفقر، بيئة طاردة للشباب الذين لا يكمل معظمهم تعليمه، إما لظروف المعيشة أو لبعد المدارس، فيغادرون إما إلى القاهرة والإسكندرية ليعملوا باليومية التى لا تزيد على ٢٥ جنيهاً أو إلى مزارع وحقول الأغنياء، مقابل ١٥ جنيهاً يومياً.
شوارع القرية كلها غير ممهدة، على أطرافها يتجمع عمال التراحيل والخرسانة فى انتظار الرزق، ونساء فى ملابس سوداء يجلسن على عتبات البيوت فى انتظار العائدين، بعضهم يعود محمولاً فى نعش مثل الضحايا السبع، تقول إحداهن «لا يمر شهر دون سرادق عزاء لعائد مات بحثاً عن الرزق.. اعتدنا الأمر كلما رأينا سيارة إسعاف أو نقل قادمة من بعيد».
٤ مدارس فقط فى القرية، اثنتان للابتدائى وأخريان للإعدادى، وهنا يتوقف التعليم. يقول محمد عبدالرحمن، الحاصل على بكالوريوس التجارة: «نحن لسنا فى الحسبان.. الرزق إلى جوارنا هنا فى بحيرة قارون لكن المحافظة تمنعنا من الصيد حتى يحصل المستثمرون على الرزق».
هنا، مستشفى واحد ومستوصف واحد لـ٧٠ ألف مواطن، الأجهزة لا تعمل تقريباً، فقط طبيبان يتناوبان العمل، والمستشفى تقريباً شبه مغلق، ولا حل أمام المرضى سوى السفر ٧٠ كيلومتراً إلى الفيوم لتلقى العلاج، لا توجد هنا أيضًا سوى نقطة شرطة صغيرة تخدم ٣ قرى أخرى، لا سيارات إسعاف ولا مطافئ.
فى سرادقات عزاء الضحايا، حزن ملفوف بالصمت لا يقطعه سوى صوت أنين أو صرخات نسوة ملتاعات، فالموتى كانوا أعمدة أساسية فى بيوت عائلاتهم، والجالسون لا يجدون كلاماً، غداً، سيسافرون بحثاً عن الرزق مطاردين بالفقر والغرف المميتة.
قرية «كحك البحرية» اتشحت بالسواد حداداً على الضحايا