تحية طيبة وبعد
أول أمر ينبغي أن نفعله هو تثبيت قاعدة: إذا اختلف المبنى اختلف المعنى ضرورة.
وهذا يدل على أن دلالة الدَّين غير القرض، وغير الصدقة، وغير الهدية. فما تعريف كل منهم:
- الدَّين: عطاء مردود لا يشترط فيه المنفعة قد يتعلق بزمن. بمعنى أنه يبقى في م&ae; في ملكية الأول(الدائن) ويُعطى حق التصرف نفعاً فيه للمدين دون التملك.
والقاعدة تقول: كل دَين جرَّ منفعة مادية مشروطة فهي ربا. وهذا بخلاف الفائدة التي تأت لاحقاً دون اشتراط مثل أن يزيد المدين على دينه عند السداد من باب المكافأة ورد المعروف وذلك كهدية.( مَن آتاكم معروفاً فكافئوه).والرِبا في الدَّين حرام في كل الشرائع بإجماع الناس جميعاً.
والدَّين علاقة إنسانية وليس علاقة استثمارية للأموال!
- الصدقة: عطاء غير مردود بقصد التعاون وعمل الخير. بمعنى أنه يخرج من مُلكية و يدخل في ملكية الآخذ. وسُمِّي الصَداق (مهر المرأة) صَداقاً لأنه عطاء واجب على الرجل وحق للمرأة.
- الهدية: عطاء غير مردود بقصد المحبة والمودة والتقرب للآخر.
- القرض: عطاء مردود بقصد المنفعة والفائدة.(استثماري).
انظر قوله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً }البقرة245
فالقرض هو علاقة استثمارية بين الناس وليس علاقة خيرية، والمؤسسات التي تقوم بالإقراض هي مؤسسات استثمارية (بنك، مصرف، اتحاد، نقابة، رجل أعمال ، إنسان غني...الخ).
والناس يخلطون بين القرض، والدَّين، فالعطاء بصفة الدَّين أو الصدقات هو عمل المؤسسات الخيرية لا عمل المؤسسات الاستثمارية!
وغياب المؤسسات الخيرية في المجتمع ليس ذنب المؤسسات الاستثمارية! ويتحمل ذلك الغياب؛ المجتمع، وينبغي أن يُسارع في تأسيس هذه المؤسسات ليقوم الناس المحتاجون للدَّين منها، وتمويل هذه المؤسسة يكون من الصدقات والتبرعات، و تستطيع أن تقوم بمشاريع لتنمي المال سواء مع رجال أعمال أو شركات أو تقوم بالإقراض للمستثمرين لتحافظ على وظيفتها الخيرية قائمة.
أما أن يذهب المحتاج دَيناً -لعدم وجود مَن يساعده- إلى مؤسسة استثمارية ويطلب منها أن تُدَيِّنه وكأنها مؤسسة خيرية فهذا تجاهل لوظيفتها. وإن أخذ منها قرضاً وأخفى حاجته يكون هو قد وضع نفسه في مأزق مالي! ولا علاقة للمؤسسة به! ومن الطبيعي أن لا يأثم هو لأنه الجهة الأضعف والمأكولة ويكفيه ما حصل معه ! ويأثم المجتمع.
إذاً؛ الأصل في القرض المنفعة وليس عمل الخير.وبالتالي القاعدة المذكورة
كُلّ قرض جرّ منفعة فهو رباً) غير صواب إطلاقاً.وينبغي أن تكون صيغتها هي:كل دَين جرَّ منفعة مادية مشروطة فهي ربا.
والتعامل بالقروض له شروط في القرءان، ومن أهمها عدم تحويل العلاقة الاستثمارية إلى علاقة استغلالية، فالمقترض عندما يعجز عن السداد في الوقت المعلوم يتم زيادة الاستثمار( الفائدة) حسب الوقت وبنسبة مدروسة ممكنة السداد، وتزيد هذه النسبة مع كل تأخير إلى أن تصل إلى قيمة القرض ذاته فتقف ولا تزيد أبداً ولو تأخر المقترض عن السداد. وهنا تتدخل المؤسسات الخيرية لمساعدة هذا الغارم والغارق في إفلاسه.
ويأتي دور المُقرض بالتحول من علاقة استثمارية إلى علاقة إنسانية خيرية ويقوم بالتصدق والتنازل عن الزيادات ما أمكنه.فأصل القرض علاقة استثمارية مثله مثل البيع يهدف الزيادة والنماء والفائدة، ولكن عندما تصل الزيادات إلى مستوى القرض ذاته وتبدأ الزيادة يتحول القرض من علاقة استثمارية إلى علاقة استغلالية للإنسانية، وبالتالي ليس هو مثل البيع ويصير ربا! وهذا الموضوع هو محل الدراسة والخلاف بين العلماء!
قد يقول قائل: كيف ينهى الله عن الربا ويتعامل به مع المؤمنين الصالحين؟
والجواب هو: إن الربا علاقة استغلالية مع الطرف الآخر، بينما مع الله فهي استثمارية دائمة، لأن الله غني قوي بخلاف الإنسان فهو ضعيف وفقير، واستثمار الأعمال مع الله يكون بالعمل الصالح للناس، والقرض لله، فيحافظ على أجرك ويضاعفه أضعاف مضاعفة لأنه الغني القوي.
انتبه إلى أن كلمة (رأس مال) تُطلق على المال المُعَد للتجارة، وذلك بخلاف المال الذي يملكه الإنسان ويحتفظ به ويُطلق عليه الرصيد المالي.
انظر قوله تعالى:
1-{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة275 -280
2- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران130
وأظن أني قد استوفيت الأجوبة على سؤالك والرد على المجمع الفقهي بشكل عام ، وبإمكانك أن تستخدم المنهج والقواعد وتستضيء بالقرءان ذاته لفهم التفاصيل، والمسلمون عند شروطهم، والعقد شريعة المتعاقدَين، وانتبه أن لا تقع في عملية الخلط بين القرض والدَين، وانتبه للعلاقة الاستثمارية، والعلاقة الإنسانية الخيرية!
وفَرِّق بين المؤسسات الاستثمارية، والمؤسسات الخيرية!
منقول