جدة: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
يمضي مسلسل الحالات التي يعاني أصحابها من مشاكل المشي أثناء النوم قُدُماً، من خلال ما يتم نشره في الصحف المحلية والعالمية عن قصص ووقائع تكون أحياناً مضحكة، كما في القصص التي تُروى عن أطفال يغسلون ملابسهم في منتصف الليل وآخرين يتحاورون بصورة طبيعية في حين أنهم لا يزالون نائمين، وتكون أحياناً أخرى محزنة ومبكية عندما يقع المصاب بداء المشي أثناء النوم من الدرج مثلاً فيصاب بجروح وكسور، أو يقفز شاب من نافذة غرفته فيلقَى حتفه كحالة الشاب (18 عاماً)، التي تناقلتها الصحف في أول أيام العام الجديد 2009، الذي فتح نافذة غرفته التي يسكنها بالطابق السابع بمدينة بجنوب ألمانيا فسقط منها فتوفي على الفور، وكان معروفاً عنه أنه يمشي أثناء النوم.
* اضطراب حركي* ما هو نوع الاضطراب الذي يؤدي إلى هذه الظاهرة؟ وكيف يتم التفريق بينه وبين حالات واضطرابات أخرى مشابهة مثل حالات الكابوس أو الحلم المزعج المخيف، أو نوبات الخوف أو الرعب الليلي التي ينهض فيها الشخص من فراشه في حالة ذعر وخوف شديدين، أو نوبات الصرع الدماغي، أو حالات التمارض أو ادعاء المرض.
تحدث إلى «صحتك» حول هذا الموضوع المثير الدكتور أيمن بدر كريّم، استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النّوم، رئيس قسم الأمراض الصدرية، مدير مركز اضطرابات النّوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية – جدة، الشؤون الصحية بالحرس الوطني، فأفاد بأن المشي أثناء النوم يُعد أحد اضطرابات الحركة التي تحدث خلال مرحلة النوم العميق (الثالثة والرابعة من النوم غير الحالم) أثناء الثلث الأول من فترة النوم في أغلب الأحيان، وهو ضمن مجموعة اضطرابات سلوكية وأحداث غير مرغوب فيها تسمى علمياً «الباراسومنيا».
وللتفريق بين هذا الاضطراب وبين الحالات الأخرى التي قد تتشابه معه أحياناً، أعطى د. كريّم وصفاً لما يحدث للمصاب بداء المشي أثناء النوم، فذكر أن هذا الاضطراب يتميز بالحركات المتوافقة والمعقدة، التي تظهر بداية على هيئة استيقاظ مفاجئ من مرحلة النوم العميق، كما يتميز بضبابية الوعي وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين. وتتراوح بعد ذلك الحركات من بسيطة مثل النهوض من الفراش والمشي في أنحاء الغرفة، إلى حركات أكثر تعقيداً كالتجول في أرجاء البيت، وحتى الخروج وقيادة السيارة لمسافات طويلة، وقد يصحبها غير ذلك من الأحداث، كالكلام أو تناول الطعام أثناء النوم أو إعادة ترتيب أثاث المنزل. ولا يتذكر المصاب تفاصيل ما مر به من أحداث أثناء النوم، حيث يمكن للنوبة أن تنتهي بعودة المريض من تلقاء نفسه إلى سريره وإكمال نومه. إلا أن إيقاظه من نوبة المشي أثناء النوم، يمكن أن يؤدي إلى ارتباك شديد أو ردة فعل عنيفة قد تصل إلى حد الضرب والصياح. ولذا يُنصح أن يتم توجيه المريض للعودة إلى السرير بهدوء بدلا من محاولة إيقاظه المفاجئ.
* المضاعفات* وعن مضاعفات اضطراب المشي أثناء النوم، يفيد د. كريّم أنه يمكن أن يؤدي إلى القلق النفسي والخجل الاجتماعي، إضافة إلى أرق أفراد العائلة، إلا أنه لا يؤثر في طبيعة نوم المصاب به ولا يؤدي إلى حدوث الأرق لديه، حيث يكون الشخص في نوم عميق فعلا عند حدوث مثل هذه النوبات. وفي حالات نادرة، يمكن أن يصاب المريض بكدمات أو جروح أو حتى كسور نتيجة للعبث بأثاث المنزل، أو السقوط من على الدرج.
ويصيب هذا الاضطراب الأطفال بشكل خاص، حيث يتعرض له ما يقرب من 17 % منهم، ويكون في الغالب مصحوباً بغيره من اضطرابات السلوك أثناء النوم، كالكلام وطحن الأسنان ورعب النوم. وفي بعض حالات الأطفال، يمكن للمشي أثناء النوم أن يكون مصحوباً بفتح الأبواب واستخدام الأدوات الحادة أو فتح وتسلق النوافذ، مما يضعهم في خطر كبير جراء هذه الحركات غير الواعية. أما بالنسبة للبالغين، فإنه يصيب ما نسبته 0.5 إلى 4 % فقط.
ويذكر د. كريّم أن هناك عوامل مساعدة لحدوث هذا الاضطراب، فهو يرتبط بالحرمان الحاد من النوم كعامل أساسي، والإصابة بارتفاع درجة حرارة الجسم عند التهابات الجهاز التنفسي الفيروسية، وقد يصيب الأبناء بصورة أكبر عند إصابة أحد الوالدين بالاضطراب نفسه، ولدى استخدام المواد الكحولية وبعض الأدوية المهدئة. ويمكن للمشي أثناء النوم أن يصحب نوبات انقطاع التنفس أثناء النوم، أو ينتج عن زيادة الضغط العصبي أو الضجيج في بيئة النوم.
* التشخيص* أوضح د. كريّم أن تشخيص هذا الاضطراب يكمن في أخذ التاريخ المرضي بدقة، والتنبه إلى جميع العوامل المساعدة على ظهور نوبات المشي أثناء النوم. وعند الحاجة، يقوم استشاري اضطرابات النوم بإجراء فحص مختبري لطبيعة النوم، وأخذ تسجيل تصويري للمريض، إذ تظهر دلائل على نوبة المشي أثناء الاستغراق في مرحلة النوم غير الحالم، حيث تظهر موجات اليقظة بشكل متكرر خلال ظهور موجات دلتا الخاصة بالنوم العميق.
* العلاج* لا تحتاج معظم حالات المشي أثناء النوم إلى علاج محدد، فمعظمها يكون نادر الحدوث ويزول تدريجياً بمرور سن المراهقة من غير مضاعفات تُذكر، وتحتاج فقط إلى طمأنة المصاب، وشرح طبيعة الاضطراب، إضافة إلى أخذ الاحتياطات لمنع إصابته بالأذى، كإحكام إغلاق الأبواب، وتأمين عدم وصوله إلى الأدوات الحادة. أما في حالة تكرار النوبات وانزعاج المريض أو إصابته، فتجب مناقشة الأسباب المحفزة، وأخذ الاحتياطات عند زيادة التوتر أو ارتفاع درجة حرارة الجسم، ومحاولة وقف العلاجات المسببة – إن أمكن – وتجنب الحرمان من النوم كمسبب أساسي، إضافة إلى تعزيز السلوك الصحي للنوم الهادئ، ومعالجة القلق بالطرق السلوكية والاهتمام ببعض الأمراض العضوية كانقطاع التنفس أثناء النوم. وفي بعض الحالات يمكن اللجوء إلى المستحضرات العلاجية كدواء لورازيبام أو كلونازيبام أو بعض أدوية الاكتئاب كدواء التريبتيزول، تحت إشراف الطبيب المتخصص.
منقــــــــــــــول
المصدر: جريدة الشرق الأوسط