تنتشر في شتى أنحاء المعمورة جمعياتُ الرفق بالحيوان التي يتصور البعضُ أنها مبتكراتُ العصر الحديث (عصر التقدم والتكنولوجيا)، والواقع أن هذا القول قد يبدو صحيحًا ومنطقيًّا لأول وهلة، إلا أنه بالرجوع إلى القرآن الكريم نجد الإشارةَ إلى ما أنعم الله به على عباده، من تسخيرِه للأنعام من الإبل والبقر والغنم، وما بها من منافع عديدة من مأكل ومشرب وملبس وجَمال، وكذلك تسخيره سبحانه وتعالى الخيلَ والبغالَ والحميرَ لركوبها، فيقول الله تعالى في سورة النحل: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ(6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ(﴾ ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ(66)﴾ (النحل)، ويقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ(80)﴾ (النحل). ومن الطبيعي وفي إطار المحافظة على هذه النعم من الله تعالى أن يحثَّنا النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفق بالحيوان، فإذا تتبَّعنا سنتَه صلى الله عليه وسلم لوجدنا أحاديث كثيرة تضع مبدأ الرفق بالحيوان، يصعُب بيانها في هذا المقال، وهذا بخلاف ما يظنه البعض من أنه من وضْع الأوروبيين، بل نستطيع أن نقول إن النبي محمدًا- صلى الله عليه وسلم- أولُ من دعا إلى الشفقة بالحيوان والرفق به ومساعدته في مطعمه ومشربه وفي صحته ومرضه، بل وأثناء ذبحه.
ومن أحاديثه- صلى الله عليه وسلم- الواردة في هذا الصدد ما رواه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فشرب وخرج، فإذا هو بكلبٍ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر".
كما نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن رمي الحيوانات بصيدٍ، فقد روى جابر بن عبد الله حديثًا؛ حيث قال: نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن يُقتل شيءٌ من الدواب صبرًا (رواه مسلم)، وعن عبد الله بن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا" (رواه مسلم)، وعن حثِّه- صلى الله عليه وسلم- على الرحمة بالحيوان حال ذبحه كما ذكر ابن عباس قال: مرَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحدُّ شفرته وهي تلحظ ببصرها، فقال: أفلا قبل هذا؟! أتريد أن تُميتها مرتَين؟! وفي رواية أخرى: أتريد أن تميتها موتات؟! هلا حددت شفرتك قبل أن تُضجعها (رواه الحاكم).
<table style="WIDTH: 313px; BORDER-COLLAPSE: collapse; HEIGHT: 210px" borderColor=white width=313 align=left bgColor=white border=1><tr><td width="100%"></TD></TR>